وحدة الساحات... التحدي القديم الجديد للاحتلال

Share This

قبل خمسين عاما، في حرب “يوم الغفران” (أكتوبر 1973)، واجه كيان العدو هجوما مشتركا من الجنوب والشمال، مما شكل له تهديدا خطيرا، لقد أدركت مصر وسوريا الميزة العملياتية والاستراتيجية الواضحة للهجوم من عدة جبهات في وقت واحد، فنفذتا ذلك بشكل غير متوقع، مستفيدتين من تراخي الكيان وغطرسته.

منذ توقيع اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، غرقت سوريا في حرب أهلية أنهكت جيشها، وسيناريو الحرب مع الجيوش النظامية لدول الجوار بشكل عام، وفي وقت واحد من عدة جبهات بشكل خاص لم يعد واردا، ومع ذلك، في العقود الأخيرة، أصبحت إيران عدوًا عسكريًا كبيرًا، حتى أنها قامت ببناء “جيوش إرهابية” على حدودنا تتمتع بقدرات كبيرة.

حوادث التصعيد المتعددة في السنوات الأخيرة في ساحات مختلفة في وقت واحد أبرزت من جديد النقاش حول سيناريو تعدد الجبهات، (الحدث الأهم أو أبو الأحداث) وهو احتمال حدوث تصعيد متدحرج واندماج العديد من ساحات القتال يلقي بثقله على صناع القرار في كيان العدو وجيشه ومنظومته الأمنية، ​​ويضع عليهم قيودًا وكوابح ويستوجب فهم الاسبقيات والأولويات في استخدام القوة.

التحدي القديم الجديد: مواجهة تمتد إلى ساحات أخرى..

 مواجهة على الساحة الفلسطينية تمتد بين جبهاتها ومنها إلى جنوب لبنان، ومجموعة أخرى من التصعيدات في عدة ساحات في وقت واحد، ظهرت منذ عقود في السيناريوهات المرجعية، وفي الخطط التشغيلية لجيش العدو، وفي تدريباته عليها لتطبيقها في الحرب.

 “علاوة على ذلك، “إسرائيل” دائمًا تعمل من منطلق أن الهجوم على البنية التحتية النووية الإيرانية سيؤدي على الأرجح إلى حرب متزامنة مع حزب الله في لبنان وإطلاق صواريخ انتقامية من إيران ومناطق أخرى: سوريا والعراق واليمن – وهي الساحات التي تستثمر فيها إيران جهودها، لتسليح وكلائها بأنظمة أسلحة تهدد “إسرائيل”، هذا هو السيناريو الذي تبدأ فيه “إسرائيل”، ويجب أن يكون الرد متعدد الجبهات حاضرا في التخطيط للمعركة بعد الهجوم”.

في المقابل، أشارت أحداث “حارس الأسوار” (معركة سيف القدس) والتصعيد خلال تقاطع شهر رمضان مع الأعياد العبرية، الربيع الماضي إلى أن تقارب أو تكاتف الجبهات قد يكون نتيجة استراتيجية ومبادرة من عدونا، وللتذكير، في مايو 2021 بدأت حماس تصعيدًا واسعًا من غزة ردًا على أحداث القدس والمسجد الأقصى، التي امتدت إلى الداخل المحتل وأشعلت موجة غير مسبوقة من المواجهات فيما يسمى المدن المختلطة أيضًا.

لقد كان ذلك بمثابة إنجاز غير مسبوق بالنسبة لحماس، التي سعت في كل مواجهة في غزة حتى تلك اللحظة، دون جدوى، إلى توسيع حدود المعركة إلى جبهات إضافية.

ظهر سيناريو تقارب أو تكاتف الجبهات مرة أخرى خلال شهر رمضان الماضي في المواجهات التي دارت في المسجد الأقصى، والتي أسفرت عن إطلاق صواريخ من غزة، وعلى نحو غير معتاد أيضاً إطلاق رشقة صاروخية واسعة النطاق أطلقتها حماس من جنوب لبنان، وإطلاق عدة قذائف صاروخية من سوريا باتجاه الجولان.

من القدس والضفة الغربية سيأتي “الشر”..

 رغم أن إمكانية اندماج الجبهات كانت واضحة في السنوات الأخيرة، إلا أن التصعيد توقف في النهاية ولم يتطور إلى حرب متعددة الجبهات، إنها ليست مجرد مسألة صدفة أو حظ، لا يرغب أي من أعداء “إسرائيل” في الدخول معها في حرب واسعة النطاق تكاليفها باهظة، إنهم يفضلون تحديها تحت عتبة الحرب، حيث يفضل كل منهم خلق التصعيد في جبهات أخرى بعيدة عن أراضيه.

حماس، التي استثمرت الكثير من الجهد في إعادة إعمار قطاع غزة منذ معركة سيف القدس، تفضل بشكل عام إبقاء غزة خارج المواجهة، لكنها في الوقت نفسه تركز جهودها على إشعال القدس والضفة، حيث تعزز هناك من مشاركتها العملياتية؛ وحزب الله وإيران، من جانبهما، يشجعان الهجمات من سوريا والساحة الفلسطينية؛ وجميعهم يسعون إلى شن هجمات في الخارج ويسعون إلى خلق مواجهة في الداخل، في القدس وفي المدن المختلطة.

وفي ظل هذه الظروف فإن الجبهات الأكثر تفجراً وعرضة للمواجهات، هي القدس مع التركيز على المسجد الأقصى، والضفة الغربية، مع مخاطر امتدادها إلى المدن المختلطة في الداخل، وتزداد هذه المخاطر على خلفية عزلة ونفور فلسطينيي الداخل الذين يشعرون أن الحكومة قد تخلت عنهم، والارتباط المحتمل بين الجريمة الجنائية والعنف القومي.

في العشر سنوات الأخيرة، تحول المسجد الأقصى إلى “المفجر النهائي” الذي يربط بين ساحات النظام الفلسطيني، التي تتمثل مصلحة العدو الأمنية العميقة في الفصل بينها.

 تتزايد التوترات في القدس والضفة الغربية بشكل كبير خلال فترة حساسة، مثل التقاء رمضان مع عيد “الفصح اليهودي”، وما يسمى عيد الاستقلال، والأعياد القادمة، حيث يؤجج مزيجا متفجرا من التوترات الدينية والقومية من خلال التحريض الهائل على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المنظمات المسلحة.

في ظل هذه الظروف المعقدة، فإن احتمال التدهور واضح ويمكن تحديد مساره أو رسمه: مواجهات من قبل المسلمين في المسجد الأقصى، من بين أمور أخرى ردا على استفزازات المتطرفين اليهود ووزراء الحكومة، تمتد إلى الضفة الغربية، وحتى إلى المدن المختلطة في الداخل، هجمات ضد المستوطنات والمستوطنين على الطرق الرئيسية، هجمات متطرفين يهود تحت غطاء الاضطرابات وسلسلة الهجمات، عمليات إحباط للهجمات في المدن الفلسطينية تواجه مقاومة مسلحة وعبوات ناسفة وتخلف إصابات، إطلاق صواريخ من غزة، الرد بهجمات قوية، وفي وقت لاحق تصعيد كبير.

الساحة الشمالية: تأكل في الردع وزعزعة في الاستقرار…

 منذ حرب لبنان الثانية، شاع الاعتقاد بأن حزب الله غير مهتم بالانجرار إلى حرب مع “إسرائيل”، وهذا بشكل خاص في يشهد فيه لبنان انهيار حكومي واقتصادي وسياسي واجتماعي، ويتعرض التنظيم لانتقادات داخلية حادة لأنه يعرض لبنان للخطر في خدمة المصالح الإيرانية الخارجية، وإيران نفسها ليست مهتمة بخسارة حزب الله هو الأصل الذي يردع “إسرائيل” عن مهاجمة منشآتها النووية قبل الأوان، ورغم هذا فقد بدت واضحة في الأعوام الأخيرة عملية تآكل قوة الردع التي تتمتع بها “إسرائيل” في مواجهة حزب الله، والتي تسارعت على خلفية الأزمة الداخلية التي تعيشها “إسرائيل”.

تصاعدت سلسلة استفزازات نصر الله والمشي على الحافة خلال المفاوضات على الحدود البحرية العام الماضي، عندما هدد علناً بالحرب إذا لم تتم الاستجابة لمطالب لبنان، بل وأطلق طائرات مسيرة (تم اعتراضها) على منصة الغاز “كاريش”، في شهر مارس من هذا العام، بادر نصر الله، بطريقة غير عادية للغاية إلى تنفيذ هجوم قاتل في مجدو، في عمق الكيان، باستخدام مسلح عبر من لبنان مسلحًا بمتفجرات وحزام ناسف. وفي الوقت نفسه، يهدد نصر الله الكيان رداً على هجماتها في سوريا أو إذا هاجمت لبنان، ويزيد من تواجده العسكري العلني ويقوم بعروض استفزازية للقوة على الحدود في انتهاك لقرارات مجلس الأمن.

بخصوص توحيد الساحات في سيناريو اندلاع الحرب في الشمال؟ احتمال هذا ليس عاليا بالضرورة، ومن المعقول أن حماس لن ترغب في توريط غزة في مواجهة لن تحدث فيها قوتها النارية فرقا كبيرا، وتتلقي رد فعل قاس من الكيان يتغاضى عنه المجتمع الدولي، بينما تتعرض الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” لهجوم صاروخي واسع النطاق. ومع ذلك، إذا قررت أن تفعل ذلك، فسيكون لزاماً على الكيان تخصيص موارد هجومية ودفاعية لغزة أيضاً باعتبارها ساحة ثانوية.

وفي ظل هذه الظروف فإن الساحة الأخرى التي تتمتع بأكبر قدر من الإمكانية على تحدي كيان العدو مرة أخرى هي الضفة الغربية، وفي ظل حرب في الشمال، فمن المرجح أن تستغل البنية التحتية “الإرهابية” في الضفة الغربية والمنظمات الشبابية المسلحة الفرصة المتاحة أمامها لزيادة وتيرة الهجمات ضد قوات الجيش والمستوطنات والجبهة الداخلية.

سيناريوهات الاستمرار والتهديد الداخلي…

 في الوضع الحالي، من الممكن تحديد خمسة سيناريوهات للعام المقبل ستكون الأكثر تأثراً على قدرة حكومة العدو على احتواء الأحداث في المسجد الأقصى والضفة الغربية، ومنع الاستفزازات من اليمين و”الإسلام المتطرف”، إحباط هجمات تسفر عن سقوط العديد من الضحايا، وفيما يلي السيناريوهات.

  1. استقرار الوضع الأمني ​​– “إسرائيل” تنجح في السيطرة على الأحداث التي ستجري في القدس خلال الأعياد واحتوائها، وتحبط الهجمات الشديدة بشكل خاص في الضفة الغربية، والتي قد تتطلب ردا يؤدي لتصعيد، وتمنع نسوء نقاط اشتعال إضافية في غزة أو في السجون.
  2. التصعيد على الساحة الفلسطينية وفي الداخل – هجوم خطير يشعل الساحة ويثير رد فعل “إسرائيلي” شديد، حماس في غزة تنضم إلى المعركة، وتمتد الأحداث إلى مناطق داخل الخط الأخضر، إيران وحزب الله يمتنعان عن تحويل التركيز نحو الشمال ويتركان الساحة الفلسطينية لتشتعل.
  3. السيناريو الخطير، اشتعال مواجهة في الشمال – حزب الله، بتشجيع من إيران، يذهب بعيدا جدا وينفذ هجوماً خطيراً آخر داخل إسرائيل أو في الخارج أو على حدودها، مما يضطر إسرائيل إلى الرد بقوة.
  4. المواجهة على عدة جبهات: الساحة الفلسطينية تشتعل والمحور الراديكالي، حزب الله وإيران، يستغل الأزمة الداخلية في الكيان والخلاف مع الولايات المتحدة لمهاجمتها بشكل مدروس ومحدود، معتقداً أنه سيكون قادرا على الذهاب إلى ما دون عتبة الحرب الشاملة.
  5. حرب شاملة، “الحدث الأكبر”:

 – “رغم الاحتمالية الضعيفة (تذكروا 1973؟) وأمل عدونا في أن تنهار “إسرائيل” من الداخل ولا يكون داعي للمخاطرة بمواجهة معها، ويبادرون إلى حرب شاملة على كافة الجبهات”.

خلاصة القول، تواجه “إسرائيل” سلسلة من التهديدات الخطيرة من جبهات مختلفة، وحتى لو فضل كل واحد من أعدائها البقاء خارج الحرب، إذا اندلعت، فليس من الواضح على الإطلاق إذا ما كانت جميع الأطراف ستتمكن من السيطرة على التصعيد.

 “في ظل هذه الظروف، يجب على “إسرائيل” أن يحافظ على مستوى عالٍ من الردع والاستعداد امام جميع الجبهات، وتعظيم الكفاءة في مجالات الاستخبارات وسلاح الجو والمناورة البرية، وتطوير خططها العملياتية للتعامل مع تصعيد متعدد الجبهات”.

 التوترات في هذه السياقات كبيرة. إن احتمال اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية، وفي الساحة الفلسطينية عموماً، المعرضة للمواجهات لأسبابها الخاصة وأيضاً بسبب سياسة الحكومة، يستلزم الإبقاء على قوات على عدد كبير من القوات على طول الحدود على حساب الجهوزية والكفاءة للحرب ضد حزب الله في الشمال، الذي هو أخطر تهديد على حدودنا.

يرتبط الواقع الأمني ​​المعقد وتهديدات التصعيد على مختلف الجبهات بالدوامة الحادة التي أدخلت فيها التعديلات القضائية. تقويض التماسك الداخلي، أزمة الاحتياط والإضرار بكفاءة الجيش، مهاجمة الحكومة قادة المنظومة الأمنية وقواتها، القطيعة مع واشنطن ركيزتنا الاستراتيجية – كل هذا يبث الضعف ويلحق ضرر جسيم بالردع.

“لذلك فإن الخطوة الأكثر إلحاحًا وفعالية لاستعادة الردع هي التراجع والتخلي عن التعديلات القضائية غير الضرورية والمدمرة، والعودة التدريجية للتماسك والكفاءة العسكرية لقوات الجيش، ويا حبذا لو كان شلك مبكرا”.

المصدر| موقع غلوبس

جي ميديا