محدث "إسرائيل" في أزمة.. لا تلومنّ إلا نفسها

Share This

في الوقت الراهن، أصبحت الديمقراطية أزمةً بالنسبة لـ "إسرائيل"؛ فقد تم توجيه الاتهامات إلى بنيامين نتنياهو، الذي يوصف برئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول في العمر السياسي، وأصبح وجهاً عالمياً لـ "إسرائيل" منذ عقود،  ثم انحدر رأسياً ليتهم بالفساد وانتهاك الثقة وإهدار المال العام .

وقد وقع نتنياهو رهن التحقيق بتهمة الفساد في ثلاث حالاتٍ منذ عام 2016، من الناحية القانونية، لا يتعين عليه الاستقالة، وهو يشعر أنه من الناحية الأخلاقية ليس ملزماً بالقيام بذلك أيضاً لأنه بريء من تلك التهم. وهذه المشاعر يشاركها حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو بنطاقٍ أوسع ويحشد له الجمهور.

نشأت أزمةٌ أخرى بسبب فشل الأحزاب السياسية في الحصول على الأغلبية، أي الحصول على 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست، وذلك بعد اجراء "انتخاباتٍ وطنيةٍ" مرتين على التوالي هذا العام. فلم تشهد البلاد مطلقاً انتخابين في عاٍم واحد إلا في عام 2019، لكن الآن، ربما يكون اجراء انتخابات ثالثة ممكناً للغاية في المستقبل القريب. والذي سيكون اختباراً جاداً لإيمان "مواطني إسرائيل" في صندوق الاقتراع. ففي الأسبوع الماضي، قال حوالي 68 ٪ من الناس أنهم غير متفائلين بشأن مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية، بحسب أحدث مسح إسرائيليٍ لمؤشر الديمقراطية الإسرائيلي (IDI) .

و خلال زيارةٍ رسمية قام بها وزير الخارجية الهندي الراحل سوشما سواراج لـ "إسرائيل" في يناير عام 2016، قال نتنياهو: " الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ترحب بوزير الخارجية لأكبر ديمقراطية في العالم". على الرغم من هذه الكلمات العظيمة، يمكن إثارة العديد من الأسئلة الهامة حول الطبيعة الإجرائية للديمقراطية في "إسرائيل" هذه الأيام . فمنذ البداية، تحاول إسرائيل اللعب على التناقضات بين الدولة اللاهوتية ومبادئ الديمقراطية. وقد اختارت أخيراً أن تكون الدولة القومية للشعب اليهودي، أولاً و قبل كل شيء، و كما هو مذكور في مشروع قانون الجنسية الذي صدر عام 2018، يتمتع جميع غير اليهود بحقوقٍ وقيمةٍ سياسية أقل في إسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى.

و قد توصلت إسرائيل إلى نقطة التحول اليوم بسبب الظروف غير المسبوقة في السياسة الإسرائيلية. حيث دخل رئيس الوزراء المتهم في معركةٍ مع الدولة نفسها على أساس أن عملية المقاضاة الطويلة كانت مؤامرةً ومحاولة انقلابٍ من قبل الشرطة و مكتب المدعي العام، أفيشاي ماندلبليت، الذي كان سكرتير حكومة نتنياهو لمدة ثلاث سنوات حتى عام 2016.

نتنياهو ، والمعروف أيضاً باسم "الملك بيبي" في إسرائيل بعد أن وضعته "مجلة تايم" على غلافها في عام 2012، يعتبر أحد أنجح السياسيين في إسرائيل. فبعد أن حافظ على منصبه خلال السنوات العشر الأخيرة، حقق ليس فقط مطلب الأمن والاستقرار، الذي يعتبر أولويةً بالغة الأهمية للإسرائيليين، و لكن أيضاً انتصاراتٍ دبلوماسيةٍ كبيرةٍ لشعبه. فقد أكد بمفرده أن الصراع مع الفلسطينيين لم يؤذي إسرائيل بنفس القدر الذي كان يؤذيها في الماضي، حيث ألغى الصفقة النووية الإيرانية، و أقنع الولايات المتحدة بأن القدس هي عاصمة إسرائيل و أن مرتفعات الجولان، التي تم الاستيلاء عليها من سوريا هي تتبع للملكية الإسرائيلية الخالصة.

فبالنسبة لأولئك الذين يفكرون في المصلحة الوطنية من حيث القوة والسياسة الواقعية، لن يختاروا سوى نتنياهو، فبفضل هذه النجاحات وغيرها الكثير، كان قادراً على ضمان ثقة الأغلبية الإسرائيلية مراراً و تكراراً خلال بقائه في منصبه طويلاً.

و مع ذلك، فقد أدى طول مدة بقاء نتنياهو في هرم السياسة الإسرائيلية إلى بعض التداعيات السلبية مثل مركزية السلطة، و تآكل سيادة القانون، وتعميق الانقسامات الاجتماعية والثقافية، والتطرف الديني في النظام السياسي الإسرائيلي، وتشجيع الخوف ضد أقلية العرب الإسرائيليين، والانهيار الكامل لعملية السلام مع الفلسطينيين. حيث سيترك وراءه إرثاً سياسياً مثيرا للجدل  ومشاكل قد يصعب حلها على من يتبعه .

كما أن معركته ضد الدولة ستزيد من توتير الديمقراطية في إسرائيل، وستقسم المجتمع أيضاً. ففي الأسبوع الماضي في تل أبيب، عقد اجتماعاً عاماً مع أنصاره لإعلان عزمه على مواصلة القتال، كما شن هجوماً على جميع أولئك الذين وجدوا أنه مذنب بالتزوير و الرشوة و انتهاك ثقة الجمهور.

و قد حذر ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للبلاد، قادة إسرائيل وشعبها في المستقبل بقولهم أن دولة إسرائيل لن تكون نزيهة. حيث تقف إسرائيل اليوم على جرفٍ منحدر عندما يتعلق الأمر باستعادة الشرعية السياسية و إيمان شعبها بالطريقة الديمقراطية للحياة. فلا يمكنها إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية أو حماس أو الأطراف الإقليمية المعادية لهذه الأزمة، فلا يوجد أمامها خيار سوى القاء اللوم على نفسها وعلى سياسييها.